الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
فإن فرض لها بعد العقد, ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف ما فرض لها ولا متعة وهذا قول ابن عمر, وعطاء والشعبي والنخعي, والشافعي وأبي عبيد وعن أحمد أن لها المتعة يسقط المهر وهو قول أبي حنيفة لأنه نكاح عرى عن تسميته, فوجبت به المتعة كما لو لم يفرض لها ولنا قوله تعالى: ومن أوجب لها نصف المهر, لم تجب لها متعة سواء كانت ممن سمى لها صداق أو لم يسم لها لكن فرض بعد العقد وبهذا قال أبو حنيفة في من سمى لها وهو قديم قولي الشافعي وروي عن أحمد: لكل مطلقة متاع وروي ذلك عن علي بن أبي طالب, والحسن وسعيد بن جبير وأبي قلابة, والزهري وقتادة والضحاك, وأبي ثور لظاهر قوله تعالى ولو طلق المسمى لها بعد الدخول, أو المفوضة المفروض لها بعد الدخول فلا متعة لواحدة منهما إلا على رواية حنبل وقد ذكرنا ذلك وذكرنا قول من ذهب إليه وظاهر المذهب: أنه لا متعة لواحدة منهما, وهو قول أبي حنيفة وللشافعي قولان كالروايتين وقد ذكرنا ذلك إذا ثبت هذا, فإنه يستحب أن يمتعهما نص عليه أحمد فقال: أنا أوجبها على من لم يسم لها صداقا فإن كان سمى صداقا, فلا أوجبها عليه وأستحب أن يمتع وإن سمى لها صداقا وإنما استحب ذلك لعموم النص الوارد فيها ودلالتها على إيجابها وقول علي رضي الله عنه ومن سمينا من الأئمة بها, فلما امتنع الوجوب لدلالة الآيتين المذكورتين على نفي الوجوب ودلالة المعنى المذكور عليه تعين حمل الأدلة الدالة عليها على الاستحباب, أو على أنه أريد به الخصوص وأما المتوفى عنها فلا متعة لها بالإجماع لأن النص العام لم يتناولها وإنما تناول المطلقات, ولأنها أخذت العوض المسمى لها في عقد المعاوضة فلم يجب لها به سواه كما في سائر العقود. والمتعة تجب على كل زوج, لكل زوجة مفوضة طلقت قبل الدخول وسواء في ذلك الحر والعبد والمسلم والذمي, والحرة والأمة والمسلمة والذمية وحكي عن أبي حنيفة: لا متعة للذمية وقال الأوزاعي: إن كان الزوجان أو أحدهما رقيقا فلا متعة ولنا عموم النص ولأنها قائمة مقام نصف المهر في حق من سمي, فتجب لكل زوجة على كل زوج كنصف المسمى ولأن ما يجب من العوض يستوي فيه المسلم والكافر والحر والعبد, كالمهر. فأما المفوضة المهر وهي التي يتزوجها على ما شاء أحدهما أو التي زوجها غير أبيها بغير صداق بغير إذنها, أو التي مهرها فاسد فإنه يجب لها مهر المثل ويتنصف بالطلاق قبل الدخول, ولا متعة لها هذا ظاهر كلام الخرقي وقد صرح به في التي مهرها فاسد وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أن لها المتعة دون نصف المهر كالمفوضة البضع وهو مذهب أبي حنيفة لأنه خلا عقدها من تسمية صحيحة, فأشبهت التي لم يسم لها شيء ولنا أن هذه لها مهر واجب قبل الطلاق فوجب أن يتنصف, كما لو سماه أو نقول: لم ترض بغير صداق فلم تجب المتعة كالمسمى لها وتفارق التي رضيت بغير عوض فإنها رضيته بغير صداق, وعاد بضعها سليما فعوضت المتعة بخلاف مسألتنا. وكل فرقة يتنصف بها المسمى, توجب المتعة إذا كانت مفوضة وما يسقط به المسمى من الفرق, كاختلاف الدين والفسخ بالرضاع ونحوه إذا جاء من قبلها لا تجب به متعة لأنها أقيمت مقام نصف المسمى, فسقطت في موضع يسقط كما تسقط الأبدال بما يسقط مبدلها. قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يكن فرض لها مهرا, ثم وهب لها غلاما ثم طلقها قبل الدخول قال: لها المتعة وذلك لأن الهبة لا تنقضي بها المتعة كما لا ينقضي بها نصف المسمى, ولأن المتعة إنما تجب بالطلاق فلا يصح قضاؤها قبله ولأنها واجبة فلا تنقضي بالهبة كالمسمى. قال: [على الموسع قدره, وعلى المقتر قدره فأعلاه خادم وأدناه كسوة يجوز لها أن تصلي فيها, إلا أن يشاء هو أن يزيدها أو تشاء هي أن تنقصه] وجملة ذلك أن المتعة معتبرة بحال الزوج في يساره وإعساره نص عليه أحمد وهو وجه لأصحاب الشافعي والوجه الآخر قالوا: هو معتبر بحال الزوجة لأن المهر معتبر بها, كذلك المتعة القائمة مقامه ومنهم من قال: يجزئ في المتعة ما يقع عليه الاسم كما يجزئ في الصداق ذلك ولنا قول الله تعالى: قال: [ولو طالبته قبل الدخول أن يفرض لها, أجبر على ذلك فإن فرض لها مهر مثلها لم يكن لها غيره وكذلك إن فرض لها أقل منه فرضيته] وجملة ذلك أن المفوضة لها المطالبة بفرض المهر لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجبت لها المطالبة ببيان قدره وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا فإن اتفق الزوجان على فرضه جاز ما فرضاه, قليلا كان أو كثيرا سواء كانا عالمين بمهر المثل أو غير عالمين به وقال الشافعي في قول له: لا يصح الفرض بغير مهر المثل إلا مع علمها بمهر المثل لأن ما يفرضه بدل عن مهر المثل فيحتاج أن يكون المبدل معلوما ولنا أنه إذا فرض لها كثيرا, فقد بذل من ماله فوق ما يلزمه وإن رضيت باليسير فقد رضيت بدون ما يجب لها, فلا تمنع من ذلك وقولهم إنه بدل غير صحيح فإن البدل غير المبدل والمفروض إن كان ناقصا فهو بعضه وإن كان أكثر فهو الواجب وزيادة فلا يصح جعله بدلا, ولو كان بدلا لما جاز مع العلم لأنه يبدل ما فيه الربا بجنسه متفاضلا وقد روى عقبة بن عامر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل: (أترضى إني أزوجك فلانة؟ قال: نعم وقال للمرأة: أترضين أن أزوجك فلانا؟ قالت: نعم فزوج أحدهما صاحبه, ودخل عليها ولم يفرض لها صداقا فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوجني فلانة, ولم يفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا وإني قد أعطيتها عن صداقها سهمي بخيبر, فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف) فأما إن تشاحا فيه ففرض لها مهر مثلها, أو أكثر منه فليس لها المطالبة بسواه فإن لم ترض به لم يستقر لها حتى ترضاه, فإن طلقها قبل الدخول فليس لها إلا المتعة لأنه لا يثبت لها بفرضه ما لم ترض به كحالة الابتداء وإن فرض لها أقل من مهر المثل, فلها المطالبة بتمامه ولا يثبت لها ما لم ترض به وإن تشاحا وارتفعا, إلى الحاكم فليس له أن يفرض لها إلا مهر المثل لأن الزيادة ميل عليه والنقصان ميل عليها, والعدل المثل لأنه إنما يفرض بدل البضع فيقدر به, كالسلعة إذا تلفت فرجعا في تقويمها إلى أهل الخبرة ويعتبر معرفة مهر المثل ليتوصل إلى إمكان فرضه ومتى صح الفرض صار كالمسمى في العقد في أنه يتنصف بالطلاق ولا تجب المتعة معه وإذا فرضه الحاكم, لزم ما فرضه سواء رضيته أو لم ترضه كما يلزم ما حكم به. وإن فرض لها أجنبي مهر مثلها فرضيته, لم يصح فرضه وكان وجوده كعدمه لأنه ليس بزوج ولا حاكم فإن سلم إليها ما فرضه لها فرضيته, احتمل أن لا يصح لما ذكرنا ويكون حكمها حكم من لم يفرض لها ويسترجع ما أعطاها لأن تصرفه, ما صح ولا برئت به ذمة الزوج ويحتمل أن يصح لأنه يقوم مقام الزوج في قضاء المسمى فيقوم مقامه في قضاء ما يوجبه العقد غير المسمى فعلى هذا, إذا طلقت قبل الدخول رجع نصفه إلى الزوج لأنه ملكه إياه حين قضى به دينا عليه فيعود إليه كما لو دفعه هو ولأصحاب الشافعي مثل هذين الوجهين, وذكروا وجها ثالثا أنه يرجع نصفه إلى الأجنبي وذكره القاضي وجها لنا ثالثا وقد ذكرنا ما يدل على صحة ما قلناه ولو أن رجلا قضى المسمى عن الزوج صح, ثم إن طلقها الزوج قبل الدخول رجع نصفه إليه وإن فسخت نكاح نفسها بفعل من جهتها, رجع جميعه إليه وعلى الوجه الآخر يرجع إلى من قضاه والله أعلم. ويجب المهر للمفوضة بالعقد, وإنما يسقط إلى المتعة بالطلاق وهذا مذهب أبي حنيفة واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال: الصحيح أنه يجب بالعقد وقال بعضهم: لا يجب بالعقد قولا واحدا ولا يجيء على أصل الشافعي غير هذا لأنه لو وجب بالعقد لتنصف بالطلاق كالمسمى في العقد ولنا, أنها تملك المطالبة به فكان واجبا كالمسمى, ولأنه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت كما في العقد الفاسد, ولأن النكاح لا يجوز أن يخلو عن المهر والقول بعدم وجوبه يفضي إلى خلوه عنه وإلى أن النكاح انعقد صحيحا وملك الزوج الوطء ولا مهر فيه, وإنما لم يتنصف لأن الله تعالى نقل غير المسمى لها بالطلاق إلى المتعة كما نقل من سمى لها إلى نصف المسمى لها والله أعلم فعلى هذا لو فوض الرجل مهر أمته ثم أعتقها أو باعها ثم فرض لها المهر, كان لمعتقها أو بائعها لأن المهر وجب بالعقد في ملكه ولو فوضت المرأة نفسها ثم طالبت بفرض مهرها بعد تغير مهر مثلها أو دخل بها, لوجب مهر مثلها حالة العقد لما ذكرنا ووافق أصحاب الشافعي على ذلك لأن الوجوب يستند إلى حالة العقد إلا في الأمة التي أعتقها أو باعها في أحد الوجهين.
|